فصل: فصل (في معنى السورة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.مقدمة مفيدة:

قال أبو بكر بن الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن حجاج بن مِنْهال، عن همام، عن قتادة قال: نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمرانَ، والنساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنُّور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والحديد، والرحمن، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لمَ تُحَرِّم، وإلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصرُ الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر القرآن نزل بمكة.
فأما عدد آيات القرآن فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال، فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: ومائتان وتسع عشرة، وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية، وست وعشرون آية، وقيل: ومائتا آية، وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتاب البيان.
وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاءِ بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.
وأما حروفُه، فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثُمائِة ألفِ حرف وواحدٌ وعشرون ألفَ حَرْفٍ ومائَةٌ وثمانونَ حرفًا.
وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفًا وخمسة عشر حرفًا.
وقال سَلام أبو محمد الحمانيّ: إنّ الحجاج جمع القراء والحفاظ والكُتَّاب فقال: أخبروني عن القرآن كُلِّه كم من حرفٍ هو؟ قال: فحسبناه فأجمعوا أنه ثلاثُمائة ألفِ حَرْف وأربعون ألفًا وسبعمائة وأربعون حرفًا. قال: فأخبروني عن نصفه. فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: 19]، وثُلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة، والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء، والثالث إلى آخره. وسُبُعُه الأول إلى الدال من قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} [النساء: 55]. والسُّبُع الثاني إلى الباء من قوله في الأعراف: {حَبِطَتْ} [الأعراف: 147]، والثالث إلى الألف الثانية من: {أُكُلَهَا} في الرعد [الرعد: 35]، والرابع إلى الألف من قوله في الحج: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 67]، والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36]، والسادس إلى الواو من قوله في الفتح: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 6]، والسابع إلى آخر القرآن. قال سلام أبو محمد: عملنا ذلك في أربعة أشهر.
قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كلِّ ليلةٍ ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: 19]، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن. وقد ذكر الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه البيان خلافًا في هذا كله، والله أعلم.
وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات في المدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند أحمدَ وسُنَن أبي داودَ وابن ماجَهْ وغيرهما عن أوس بن حُذَيفة أَنَّه سَأَلَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف يُحَزِّبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرَةَ وثلاثَ عَشْرَةَ، وحزْبُ المُفَصَّل من قاف حتى يختم.
قال القرطبي: أجمعوا أنه ليس في القرآن شيء من التراكيب الأعجمية؟ وأجمعوا أن فيه أعلامًا من الأعجمية كإبراهيم ونوح، ولوط، واختلفوا: هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية؟ فأنكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه ما يوافق الأعجمية، فهو من باب ما توافقت فيه اللغات.

.فصل [في معنى السورة]:

واختلفوا في معنى السورة: مِمَّ هي مشتقة؟ فقيل: من الإبانة والارتفاع. قال النابغة:
ألم تر أنَّ الله أعطاكَ سورَةً ** تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونها يَتَذَبْذَبُ

فكأن القارئ يتنقل بها من منزلة إلى منزلة. وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلد. وقيل: سميت سُورَةً لكونها قِطْعةً من القرآن وجزءًا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزًا، وإنما خففت فأبدلت الهمزة واوًا لانضمام ما قبلها. وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سُورَةً.
قلت: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما سُمِّي سورُ البلد لإحاطته بمنازِلِه ودُورِه، والله أعلم.
وجمع السورة سُوَرٌ بفتح الواو، وقد تُجمع على سُورَاتٍ وسُوْرَات.
وأما الآية فمن العلامَةِ على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصاله، أي: هي بائنة من أختها. قال الله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [البقرة: 248]، وقال النابغة:
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرفْتُها ** لستَّةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ

وقيل: لأنها جماعةُ حروفٍ من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم. قال الشاعر:
خَرَجْنَا من النَّقبين لا حَيَّ مِثلُنا ** بآيتنا نزجِي اللقاحَ المَطَافِلا

وقيل: سُمِّيت آيةً لأنها عَجَبٌ يَعْجِز البشر عن التكلّم بمثلها.
قال سيبويه: وأصلها أَيَيَة مثل أَكَمَة وشَجَرَة، تحرَّكت الياءُ وافتتح ما قبلها فقلبت ألفًا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة. وقال الكسائي: آيِيَة على وزن آمِنة، فَقُلِبت ألفًا، ثم حُذفت لالتباسها.
وقال الفَرَّاء: أصلها أَيَّة- بتشديد الياء- فَقُلِبَت الأولى ألفًا، كراهيةَ التشديد فصارت آية، وجمعُها: آىٌ وآياىٌ وآياتٌ.
وأما الكلمة فهي اللفظ الواحد، وقد تكون على حرفين مثل: ما ولا وله ولك، وقد يكون أكثر. وأكثر ما يكون عشرة أحرف: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} [النور: 55]، و{أَنُلْزِمُكُمُوهَا} [هود: 28]، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الحجر: 22]، وقد تكون الكلمة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعَصْر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم- في قول الكوفيين- و{حم عسق} عندهم كلمتان. وغيرهم لا يسمى هذه آيات بل يقول: هي فواتح السُّوَرِ. وقال أبو عَمْرو الدانيّ: لا أعلم كلمةً هي وحدها آيةٌ إلا قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} في سورة الرحمن [الرحمن: 64].

.سورة الفاتحة:

يقال لها: الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطا، وبها تفتح القراءة في الصلاة ويقال لها أيضا: أم الكتاب عند الجمهور، وكره أنس، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن:الآيات المحكمات:هن أم الكتاب، ولذا كرها- أيضا- أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم» ويقال لها: الحمد، ويقال لها:الصلاة، لقوله عليه السلام عن ربه: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي» الحديث. فسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم». ويقال لها:الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أنها رقية؟». وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة: الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: «أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها». ويقال لها: سورة الصلاة والكنز ذكرهما الزمخشري في كشافه. وهي مكية، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل مدنية، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال: نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87]، والله أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جدًا، نقله القرطبي عنه. وهي سبع آيات بلا خلاف، وقال عمرو بن عبيد: ثمان، وقال حسين الجعفي: ستة وهذان شاذان. وإنما اختلفوا في البسملة: هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء؟ على ثلاثة أقوال، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.
قالوا: وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفًا. قال البخاري في أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتب، أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر- إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع- أُمًّا، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ، أمّ الرأس، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أُمًّا، واستشهد بقول ذي الرمة:
على رأسه أم لنا نقتدي بها ** جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني: الرمح. قال: وسميت مكة: أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها، وقيل: لأن الأرض دحيت منها.
ويقال لها أيضًا: الفاتحة؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصح تسميتها بالسبع المثاني، قالوا: لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله.قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم». ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني».وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن غالب بن حارث، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي، ثنا المعافى بن عمران، عن عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب».
وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله، وقال: كلهم ثقات.وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] بالفاتحة، وأن البسملة هي الآية السابعة منها، وسيأتي تمام هذا عند البسملة.
وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ قال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة. قال أبو بكر بن أبي داود: يعني حيث يقرأ في الصلاة، قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها.
وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا أحدها وقيل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} كما في حديث جابر في الصحيح. وقيل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وهذا هو الصحيح، كما سيأتي تقريره في موضعه، والله المستعان.